التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يمتنع كثير من الناس عن عمل الخير والحق خوفًا من كلام الناس وانتقادهم، لم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذه الصورة، ولكنه كان يفعل ما يراه حقًّا.
يمتنع كثير من الناس عن عمل الخير والحق خوفًا من كلام الناس وانتقادهم، هذه علامة على ضعف النفس، كما أنها علامة على غياب التجرُّد لله تعالى، فخوف المرء على صورته أمام الناس زهَّده في ثواب الله علي الفعل الحسن الذي قد يكون منتَقدًا من الناس.
لم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذه الصورة، ولكنه كان يفعل ما يراه حقًّا، ويناضل في تحقيق النفع لنفسه والناس، دون أن ينظر إلى الناس أصلًا، يقول الْفُضَيْلُ بنُ عياض: "تَرْكُ الْعَمَلِ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ اللهُ عَنْهُمَا"[1].
لا يعني هذا جفاء الأخلاق، فعلى المسلم أن يحرص على استرضاء من حوله دون التنازل عن الحق والخير، ولا يعني أيضًا عدم الاكتراث بدفع الشبهات عن النفس، بل يلزم التعريف بالأسباب التي مِنْ ورائها فعل الإنسان الفعل، لكيلا يعين الشيطان على دفع الناس إلى الظنون السيئة، روى البخاري عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَوْ قَالَ: شَيْئًا"[2].
عدم الحرج في المسائل الفقهية:
روى النسائي وأحمد والحاكم وغيرهم عَنْ عُمَرَ، قَالَ: هَشِشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: صَنَعْتُ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ "فَقُلْتُ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَفِيمَ؟»[3]، كان عمر من الممكن أن يورِّي بذكر القصة على رجل آخر، لكنه غير منشغل بكلام الناس.
عدم الحرج في الظهور بمظهر الضعيف، ولكن المهم تحقيق الهدف:
روى أحمد بإسناد حسن: "فَدَعَا عُمَرَ لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ بِهَا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا، وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا، وَلَكِنْ أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ هُوَ أَعَزُّ مِنِّي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ"[4]، كان رضي الله عنه خوفه على الدعوة أكبر من خوفه على نفسه، الناس يمكن أن يقولوا جبان، أو غير مخلص، أو متكاسل عن الحقِّ، أو أن عثمان أكرم منه وأفضل.
عدم الحرج في التصريح بالمسائل الشخصية المحرجة:
روى البخاري عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا، قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ «خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ» فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ، إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا[5].
عدم الاكتراث بالظهور بمظهر العنيد المجادل:
موقف صلح الحديبية:
البخاري قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا، قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ، قَالَ: «بَلَى»، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي»، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ العَامَ»، قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ»، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ عَلَى الحَقِّ، قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي البَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالًا[6]، وفي رواية أحمد: "...مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأَتَصَدَّقُ وَأُصَلِّي وَأَعْتِقُ مِنَ الَّذِي صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا..."[7].
عدم الاكتراث بكلام قريش عنه عند إسلامه:
روى ابن حبان في صحيحه عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:" لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ تَعْلَمْ قُرَيْش بِإِسْلَامِهِ فَقَالَ أَيُّ أهل مَكَّة أفشى لِلْحَدِيثِ فَقَالُوا جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَأَنا أَتْبَعُ أَثَرَهُ أَعْقِلُ مَا أَرَى وَأَسْمَعُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا جَمِيلُ إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيْهِ كَلِمَةً حَتَّى قَامَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَادَى أَنْدِيَةَ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ فَقَالَ عُمَرُ كَذَبَ وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ وَآمَنْتُ بِاللَّهِ وَصَدَّقْتُ رَسُولَهُ فَثَاوَرُوهُ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى رَكَدَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ حَتَّى فَتَرَ عُمَرُ وَجَلَسَ فَقَالَ افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَوَاللَّهِ لَوْ كُنَّا ثلثمِائة رجل لقد تَرَكْتُمُوهَا أَو تركناها لكم فَبينا هم كَذَلِك قيام إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةُ حَرِيرٍ وَقَمِيصٌ موشى فَقَالَ مَا لكم فَقَالُوا إِن ابْن الْخطاب قد صَبأ فَقَالَ فَمَهْ امْرُؤٌ اخْتَارَ دِينًا لِنَفْسِهِ أَفَتَظُنُّونَ أَنَّ بَنِي عَدِيٍّ تُسْلِمُ إِلَيْكُمْ صَاحِبَهُمْ قَالَ فَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا انْكَشَفَ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ يَا أَبَة مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَدَّ عَنْكَ الْقَوْمَ يَوْمَئِذٍ قَالَ يَا بني ذَاك الْعَاصِ بن وَائِل"[8].
النصيحة
كن عمريًّا في التجرُّد لله، وفي قوة النفس التي تدفعك إلى تحقيق النفع دون النظر إلى ردود الأفعال عند الناس[9].
[1] شعب الإيمان (9/ 184)
[2] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده (3107).
[3] النسائي: كتاب الصيام، المضمضة للصائم (3048).
[4] أحمد (18930)، وقال: شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.
[5] البخاري: كتاب المغازي (4005).
[6] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2581).
[7] أحمد (18930)، وقال: تعليق شعيب الأرناءوط: إسناده حسن
[8] ابن حبان (6879)، قال شعيب الأرناءوط: إسناده قوي.
[9] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب: عمر وعدم الاكتراث لكلام الناس
التعليقات
إرسال تعليقك